احيانا يعطينا القدر الوقت الكافي للتعرف "الكامل" علي شخص
ما و احيانا اخري لا يمهلنا الا القليل للتعرف علي ملمح من ملامح هذا الشخص ... و
ربما كان هذا الملمح هو كل ما يكفيك لمعرفة
أحدهم معرفة جيدة
من الشخصيات التي سعدت بالتعرف عليها من زاوية واحدة و تمنيت لو
أمهلني الزمن المزيد من الوقت للتعرف علي باقي جوانب شخصيتها: فيليشيا
قبل السفر – و عند الوصول- حضرنا (المسافرون العرب) جميعا ورشتين عمل
للتهيئة لتلك النقلة من الشرق للغرب عبر المحيط . و في كلتا الورشتين حضرنا
محاضرتين عن ما قد يعتبر تحرش جنسي في أمريكا و خرجنا جميعا من تلك المحاضرات
بإحساس عميق من القلق حيث اننا كما فهمنا واقعين لا محالة في تهمة التحرش
اذا ما فكرنا في السلام علي أحد زملائنا الامريكان سلام عربي "دافئ" أو
ألقينا دعابة أو قول و فُهم خطأ. و هكذا عند نهاية كلتا الورشتين خرجنا نوصي
أنفسنا بالحرص الشديد لدرجة البرود في التعامل حتي لا نقع
سهوا في المحظور.
ثم أنطلق كل منا في سبيله الي جامعته.
(كانت هذه مقدمة لابد منها و إن كانت تخالف ما يأتي بعدها تماما)!
لم يكن يعنيني أو يضايقني كثيرا أن أجلس وحدي – بعد رمضان- في قاعة
الطعام لتناول الغداء و العشاء ... أو هذا ما كنت أردده لنفسي .. الوحدة في الغرب
جزء من التجربة علي كل حال ثم أنني قريبا سأكون صداقات عديدة و لن يكون عندي وقت
للتمتع بهذا المنظر الخلاب للجبل الأخضر خارج النافذة ثم أنني (ايضا و أيضا) معي الجريدة اليومية لمتابعة
ما يجري في البلاد من احداث ثم أن "ماساكو" - رفيقة سكني- ربما تأتي
الأن في أي لحظة .. ثم .. ثم ماذا؟
ثم تأتي "فيليشيا" الأمريكية من أصل أفريقي و التي قابلتها مرة واحدة في
حفلة التعارف في بيت "هيذر"- جارتي المسئولة عن الطلبة الاجانب في
الجامعة - و التي ربما أكون قد قابلتها مرة أخري في ذلك المكان في الجامعة (الذي سأظل
لا أذكر اسمه فترة ثم سيصبح فيما بعد في ألفة بيت الجيران في مصر) حيث تعرفت علي
الكثير من الفتيات الكوريات (و اللاتي بالطبع سأعاني طوال العام في تذكر اسمائهن
بدقة ثم طبعا سيأتي موعد سفري فجأة بعد ان أعرف الاسماء و الشخصيات جيدا!) و بعض
من الفتيات الامريكيات (سأعاني بعض الوقت مع اسمائهن أيضا) و فتيات أخريات من
جنسيات أخري ... و ربما كانت "فيليشيا" هناك هذا اليوم.
تأتي "فيليشيا" دائما و أنا وحدي في قاعة الطعام (غالبا ما يكون معي
الجريدة و كتاب و ربما مجلة أيضا) لا أذكر
ان كنت رأيتها أو رأتني و أنا جالسة مع أحد أبدا !
المشهد بسيط للغاية: تأتي
"فيليشيا" في غير جلبة ، أكون
واقفة عند طاولة السلطات أو جالسة وحدي أقرأ أو أنظر خارج النافذة فتربت علي كتفي
و تحضنني حضن طويل و دافيء ثم تتركني (ربما بعد ان تسألني عن حالي سؤال عابر) ... و
هكذا كلما تقابلنا . فقط تغمرني بحضنها و تمضي إلي حالها لا تسألني إن كنت أرغب في ان انضم اليها و صديقاتها علي مائدتها الواقعة غالبا في وسط القاعة الصاخبة ، و لا أسألها أن تنضم إليّ علي مائدتي الواقعة بجوار النافذة العالية في الممر بين القاعتين الصاخبتين
الغريب انه بعد ما صار عندي الكثير من الاصدقاء اتناول معهم كل الوجبات في قاعة الطعام و خارجها، سافرت "فيليشيا" للدراسة بالخارج!
و هكذا لم أعرف الكثير عن صديقتي "فيليشيا"، غير أني أذكر
جيدا حالي بعد كل لقاء معها!